أم رندة تصدم العراقيين: ماذا تعني كلمة جلحة ولماذا أثارت الجدل؟

ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي في العراق خلال الأيام الماضية بمقطع فيديو قصير لأم عراقية تُدعى إيمان، أصبحت تُعرف لاحقًا بـ«أم رندة»، بعد أن أثارت عاصفة من الجدل بسبب تعليقها الصادم خلال مقابلة تلفزيونية ظهرت فيها إلى جانب ابنتها الصغيرة رندة.
القصة من البداية: لحظة لم يتوقع أحد أن تتحول إلى قضية رأي عام
خلال اللقاء الذي تم تصويره في أحد شوارع بغداد، سألت المذيعة الأم ما إذا كانت الطفلة الجالسة بجوارها هي ابنتها، لترد الأم ضاحكةً: “هاي جلحة”، وهي كلمة دارجة في اللهجة العراقية تُستخدم لوصف قلة الجمال أو لتوجيه إهانة ساخرة. تلا ذلك إبعادها للطفلة عن الكاميرا، في مشهد استقبله المتابعون بغضب وذهول.
معنى كلمة “جلحة” ولماذا أثارت هذا الجدل؟
كلمة “جلحة” في بعض السياقات العراقية قد تُستخدم كنوع من الدعابة بين الأقارب، لكنها تُعدّ إهانة عندما تُقال لطفلة أمام جمهور واسع في بث مباشر. اعتبر كثيرون أن ما حدث هو نوع من التنمر الأسري العلني، ومثال حي على كيفية ترسيخ العُقد النفسية في عمر صغير.
ردود فعل غاضبة.. وتنمر مرفوض
فور انتشار المقطع، انهالت التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك وإنستغرام. كتب أحد المستخدمين: “أم تُهين ابنتها على الهواء؟ هذا ليس مزاحًا، بل قسوة”. وعلّق آخر: “الطفلة ستتذكر هذه اللحظة طوال حياتها. نحن بحاجة إلى وعي أكبر بشأن الصحة النفسية للأطفال”.
عدد من الصفحات الناشطة دعت لمحاسبة الجهة الإعلامية التي سمحت ببث هذا المقطع، وظهرت دعوات لحظر بث اللقاءات العشوائية دون وعي بمخاطر التأثير على الأطفال.
في المقابل: بعضهم رأى أنها مجرد مزحة
لم يخلُ الأمر من وجود أصوات دافعت عن الأم، معتبرين أن “الكلمة تُقال بشكل عادي في البيوت العراقية”، وأن ردود الفعل كانت مبالغ فيها. قال أحد المتابعين: “أمي تقول لي نفس الكلمة وأنا أضحك، لا داعي لتضخيم الأمور”.
هاشتاغ «الملكة السومرية» يتصدر
وبين الغضب والدفاع، انطلقت حملة دعم واسعة للطفلة تحت عنوان “الملكة السومرية”، حيث بدأت الصور المعدلة للطفلة تنتشر بإطارات ذهبية وعبارات تشجيعية مثل “أنت الأجمل يا رندة” و”كلنا نحبك”.
الحملة لاقت تفاعلاً واسعًا بين العراقيين والعرب، ما أعاد النقاش حول ضرورة توفير بيئة صحية للأطفال، حتى داخل الأسرة.
ظهور الطفلة رندة من جديد.. دفاعها يغير الموازين
وفي رد فعل غير متوقع، ظهرت الطفلة رندة في مقطع مصور بُث عبر تطبيق تيك توك، لتؤكد أن والدتها كانت تمزح، وأنها لم تتأثر بالكلمة لأنها معتادة على هذا النوع من الحديث في منزلها. كما قالت: “ما أحب أظهر بالكاميرا.. وأمي كانت تمزح.. لا تصدقون كل شي تشوفوه على الإنترنت”.
ما وراء المزحة؟ نظرة نفسية لما حدث
تحدث عدد من الخبراء النفسيين عن تأثير الكلمات على الأطفال، حتى وإن اعتبرها الأهل مزاحًا. أشار الدكتور سامر العزاوي، أخصائي الطب النفسي، أن المزاح السلبي يمكن أن يُترك أثرًا دائمًا في اللاوعي، ويؤثر على ثقة الطفل بنفسه في المستقبل.
الإعلام مسؤول أيضًا
قال إعلاميون إن القنوات التي تنشر هذا النوع من المقابلات يجب أن تتحمل مسؤولية اجتماعية، خصوصًا عند التعامل مع الأطفال. “المادة الإعلامية ليست دائمًا ترفيهًا. أحيانًا قد تكون مؤذية”، قال أحد مقدمي البرامج.
دروس مستفادة من قصة أم رندة
- الكلمة قد تُضحك الكبار، لكنها تجرح الصغار.
- الأطفال ليسوا أدوات للتسلية أمام الكاميرا.
- الإعلام يحتاج إلى ضوابط واضحة عند التعامل مع الأسر والأطفال.
- حماية الطفولة تبدأ من داخل البيت، وتنتهي عند حدود السوشيال ميديا.
هل انتهت القصة؟
ربما خفت الضجة قليلًا، لكن قضية أم رندة ستظل علامة فارقة في تاريخ الإعلام العراقي الحديث، لما أثارته من أسئلة اجتماعية ونفسية حول طبيعة التعامل مع الأطفال علنًا.
خاتمة
في النهاية، قد تكون الكلمة التي نلقيها دون تفكير سببًا في خلق ألم طويل الأمد. قصة “جلحة” لم تكن مجرد زلة لسان، بل جرس إنذار لنا جميعًا لنفكر مرتين قبل أن نتحدث، خاصة إذا كان الحديث عن طفل لم يختر أن يكون في الواجهة.
رندة اليوم باتت رمزًا للبراءة التي تُقابل أحيانًا بسخرية. لكن ردّها الشجاع أعاد لها الكرامة، وربما منحنا جميعًا درسًا لا يُنسى.