
في عالم الجرائم، تظهر بين الحين والآخر قصص تهز القلوب وتثير الرأي العام، لكن ما فعلته كلثوم أكبري في إيران تجاوز حدود التصور، حتى أصبحت تُلقب بـأشهر قاتلة متسلسلة في تاريخ إيران. لم تكن هذه القصة مجرد جريمة قتل عابرة، بل سلسلة متواصلة من الأفعال البشعة التي امتدت لعقود، وأسقطت في شباكها أحد عشر رجلاً، جميعهم كانوا أزواجها.
الصدمة الكبرى لم تكن فقط في عدد الضحايا، بل في الطريقة التي نفذت بها جرائمها، وكيف استطاعت إخفاء أفعالها طوال هذه السنوات، متخفية وراء صورة الزوجة الطيبة والحنونة.
البداية المظلمة: خلف الابتسامة الملائكية
ولدت كلثوم أكبري في بيئة تبدو للوهلة الأولى طبيعية، لكنها حملت بداخلها تاريخاً شخصياً مليئاً بالتقلبات. لم تكن الفتاة الجميلة التي ظهرت في شبابها مجرد امرأة تبحث عن حياة مستقرة، بل كانت تمتلك عقلية مخططة قادرة على استغلال العواطف والثقة لتحقيق أهدافها القاتلة.
بحسب تقارير الصحف الإيرانية، كانت كلثوم تتقن فن الإقناع والتلاعب بالمشاعر، وهو ما جعلها قادرة على الدخول إلى حياة رجال مسنين ميسوري الحال، غالباً ممن يبحثون عن الرفقة والحنان بعد سنوات الوحدة.
طريقة الاختيار: الصيد الهادئ
لم تكن ضحاياها عشوائيين، بل كانت كلثوم تختارهم بعناية. معظمهم كانوا مسنين يمتلكون أموالاً أو ممتلكات، مما يجعلهم أهدافاً مثالية. كانت تقدم نفسها كزوجة مثالية، تهتم بصحتهم وتلبي احتياجاتهم، وفي الوقت نفسه تخطط لإنهاء حياتهم ببطء.
وفق ما كشفت عنه التحقيقات، لجأت كلثوم إلى استخدام السموم والأدوية المهدئة أو القاتلة، وهي مواد تجعل الموت يبدو طبيعياً، خصوصاً لدى كبار السن. كانت تضع الجرعات في الطعام أو الشراب، وتنتظر أثرها يظهر تدريجياً.
أسلوب القتل: موت بطيء بلا شهود
الدهاء الأكبر لدى كلثوم كان في إتقانها إخفاء جريمتها. بعد إعطاء الضحية جرعة من السم أو الدواء، كانت تنقلهم إلى المستشفى بحجة أنهم يعانون من وعكة صحية، لتبعد بذلك أي شبهات عنها. وإذا لاحظ الأطباء تحسن الحالة، كانت تعيد الكرة حتى تنجح خطتها.
هذا النمط المتكرر جعل اكتشاف جرائمها أمراً صعباً، حيث كانت تبدو للآخرين وكأنها الزوجة الوفية التي تقف بجانب زوجها المريض حتى اللحظات الأخيرة.
كشف المستور: من الزوجة المثالية إلى القاتلة المتسلسلة
بدأت الشكوك تحوم حول كلثوم في عام 2023، بعد وفاة أحد أزواجها في ظروف غامضة مشابهة لآخرين سبقوه. عند مراجعة سجلاتها، اكتشفت الشرطة أن جميع أزواجها السابقين تقريباً قد توفوا خلال فترة قصيرة من الزواج، وأنها كانت المستفيد الأول من وفاتهم، سواء عبر الميراث أو بيع ممتلكاتهم.
التحقيقات كشفت أن كلثوم عقدت 18 زواجاً مؤقتاً و19 زواجاً دائماً، وأن 11 من هؤلاء الأزواج لقوا حتفهم في ظروف متشابهة، مع وجود محاولات قتل أخرى فاشلة.
الاعتقال والتحقيقات الصادمة
في سبتمبر 2023، ألقت الشرطة الإيرانية القبض على كلثوم أكبري، وبدأت جلسات التحقيق معها. اعترفت بكل هدوء بقتل 11 رجلاً خلال 20 عاماً، مبررة أفعالها بأسباب غامضة تراوحت بين الانتقام والطمع في المال.
اعترفت أيضاً بأنها كانت تعتبر القتل “حلاً سهلاً” للتخلص من الأزواج الذين لم ترغب في الاستمرار معهم، مع ضمان حصولها على مكاسب مالية.
رد فعل الشارع الإيراني
أثارت القضية موجة واسعة من الجدل في إيران، حيث انقسمت الآراء بين من يرونها مجرمة بلا رحمة يجب إعدامها، ومن يعتبرون أن خلف هذه الجرائم قصة معاناة نفسية واجتماعية دفعتها إلى ذلك المسار المظلم. لكن الغالبية أجمعوا على أن جرائمها تعد من أبشع ما شهدته البلاد في تاريخها الحديث.
القضاء يقول كلمته
أحيلت القضية إلى المحكمة الجنائية الثانية في محكمة الثورة بمدينة ساري، حيث تواجه كلثوم تهم القتل العمد مع سبق الإصرار، وهو ما قد يضعها في مواجهة عقوبة الإعدام إذا أدانتها المحكمة.
الإرث الدموي لكلثوم أكبري
سواء حكم عليها بالإعدام أو السجن المؤبد، فإن قصة كلثوم أكبري ستظل محفورة في ذاكرة الإيرانيين لسنوات طويلة، كنموذج قاتم لكيف يمكن للثقة أن تتحول إلى فخ قاتل، وكيف يمكن للقناع البريء أن يخفي وراءه وحشاً لا يرحم.
أسئلة لا تزال بلا إجابة
رغم اعترافاتها، تبقى هناك أسئلة لم تجد إجابة: هل هناك ضحايا آخرون لم يُكشف عنهم بعد؟ هل كانت تعمل بمفردها أم بمساعدة شخص آخر؟ وهل كانت دوافعها مادية فقط أم أن هناك أسباباً نفسية أعمق؟
كلثوم أكبري
قصة كلثوم أكبري ليست مجرد حكاية جريمة، بل هي درس مرعب عن كيفية استغلال العاطفة والثقة، وتحويل مؤسسة الزواج إلى أداة للقتل. لقد أظهرت هذه القضية أن الجريمة قد تأتي من أقرب الأشخاص إلينا، وأن الحذر قد يكون واجباً حتى في أكثر العلاقات حميمية.