أين تذهب حصى رمي الجمرات؟ رحلة داخل النظام الذكي أسفل الجسر

يتساءل الكثير من الحجاج والزوار وحتى المتابعين حول العالم عن سر مصير الحصى التي يرميها الحجاج أثناء تأدية شعيرة رمي الجمرات في مشعر منى، وهي من أهم المناسك المرتبطة بـأيام التشريق وعيد الأضحى المبارك.
كيف تتم عملية رمي الجمرات؟
تبدأ هذه الشعيرة مباشرة بعد مغادرة مزدلفة في يوم النحر (العاشر من ذي الحجة)، حيث يتوجه الحاج إلى جمرة العقبة الكبرى ويرميها بسبع حصيات وهو يكبر مع كل رمية، قائلاً “الله أكبر”.
في الأيام التالية، يرمي الحاج الجمرات الثلاث: الصغرى والوسطى والكبرى، بسبع حصيات لكل واحدة، ليكتمل المجموع بـ 49 حصاة على مدار الأيام الثلاثة. والذين يتعجلون في مغادرة منى في اليوم الثاني يرمون 21 حصاة فقط في ذلك اليوم.
رحلة الحصيات بعد الرمي
عند الانتهاء من الرمي، تسقط الحصيات في أحواض خرسانية مخصصة لكل جمرة. في هذه المرحلة تبدأ رحلة الحصيات التي قد تكون غامضة للكثيرين، لكنها في الحقيقة منظمة بدقة مذهلة.
توجد في قاع هذه الأحواض سيور ناقلة آلية، تعمل على جمع الحصى بشكل مستمر وتنقلها إلى قبو تحت جسر الجمرات على عمق يصل إلى 15 مترًا تحت الأرض. وهناك، تبدأ المرحلة الثانية من العملية.
نظام آلي متطور لفصل الحصى عن المخلفات
في القبو العميق أسفل الجسر، تمر الحصى إلى نظام غربلة أوتوماتيكي، حيث يتم فصلها عن أي نفايات أو أجسام غريبة ربما رُميت خطأ أو سقطت مع الحصى.
يُدار هذا النظام الذكي بواسطة بوابات كهربائية تتحكم في حركة الحصى بشكل دقيق، وتنقلها إلى عربات ضاغطة، تعمل على ضغط الحصى وتجميعها.
بعدها، تُنقل هذه العربات إلى مرامي مخصصة ومعتمدة بعيدًا عن منطقة المشاعر المقدسة، حيث يتم التخلص من الحصى بطريقة آمنة وبيئية، تضمن نظافة المكان وسلاسة سير الحجاج.
كمية الحصى التي يتم جمعها سنويًا
بحسب الإحصائيات الرسمية الصادرة عن الجهات المنظمة لشؤون الحج، يتم التخلص سنويًا من نحو 1000 طن من الحصى التي يتم رميها خلال موسم الحج.
هذه الكمية الهائلة من الحصى يتم التعامل معها بكفاءة عالية، بفضل التطوير المستمر في منشأة جسر الجمرات والبنية التحتية المتقدمة التي أنشأتها المملكة العربية السعودية لخدمة ضيوف الرحمن.
رمزية رمي الجمرات.. أكثر من مجرد رمي
يعود أصل شعيرة رمي الجمرات إلى قصة النبي إبراهيم عليه السلام، حين حاول الشيطان أن يوسوس له ولمحاولة منعه من تنفيذ أمر الله بذبح ابنه إسماعيل. فقام إبراهيم برجم الشيطان في ثلاثة مواقع، وهي التي تمثل الجمرات اليوم.
وبذلك، أصبح الرمي ليس مجرد حركة جسدية، بل رمز لمقاومة الشيطان والتمسك بطاعة الله. وعندما يرمي الحاج الحصى، فإنه يجدد العهد بالولاء لله ويُعلن تبرؤه من وساوس الشيطان.
شعائر ما بعد الرمي
في يوم النحر، بعد الانتهاء من رمي جمرة العقبة، يكمل الحاج المناسك بترتيب دقيق: نحر الأضحية، الحلق أو التقصير، ثم طواف الإفاضة.
أما في أيام التشريق (11، 12، 13 من ذي الحجة)، فيواصل الحجاج رمي الجمرات الثلاث، ويكثرون من ذكر الله والتكبير والدعاء. هذه الأيام مليئة بالسكينة والروحانية، وفيها يستشعر الحاج تمام الطاعة والتجرد من الذنوب والمعاصي.
جسر الجمرات.. تحفة هندسية لخدمة الحجاج
تم بناء جسر الجمرات الجديد بتصميم فريد قادر على استيعاب أكثر من 300 ألف حاج في الساعة. يتكون من عدة طوابق ومسارات مخصصة لتنظيم تدفق الحجاج وتقليل الازدحام.
كما تم تزويده بأحدث الأنظمة الذكية والرقمية، التي تراقب حركة الحجاج، وتنظم عملية الرمي بشكل سلس وآمن. وهو ما جعل من مشعر منى نموذجًا عالميًا في إدارة الحشود.
لماذا تُزال الحصى ولا تبقى؟
من الأسئلة الشائعة: لماذا لا يُترك الحصى مكانه؟ والجواب بسيط: مع وجود ملايين الحجاج، فإن ترك الحصى سيؤدي إلى تراكم هائل خلال أيام الحج، مما يُعرض الزوار للخطر ويزيد من صعوبة الحركة.
إزالة الحصى تساهم في تنظيم المكان، الحفاظ على نظافته، وضمان سلامة الحجاج. كما أنها تعكس حرص المملكة على تقديم أرقى الخدمات بأعلى المعايير.
خاتمة: رمي الجمرات.. شعيرة خالدة تتجدد كل عام
في النهاية، فإن شعيرة رمي الجمرات ليست مجرد أداء عبادي مؤقت، بل هي تجسيد رمزي لمعركة الإنسان مع الشيطان، وتجديد للعهد مع الله عز وجل.
أما مصير الحصى، فقد أصبح اليوم جزءًا من نظام ذكي متكامل، يجمع بين الإيمان والهندسة، بين الروحانية والتقنية، ليؤكد للعالم أن الحج ليس فقط أكبر تجمع ديني، بل أعظم نموذج لإدارة الحشود الإنسانية بأمان وطمأنينة.